متلازمة الجثة المتحركة مرض يتناسب مع ما يحدث في الوطن ويصلح ليكون اسقاطا ماكرا


مثال للشاب الطموح، دفعه حب التميز وتطوير ذاته الى خوض تجارب عديدة فمن التكوين الأكاديمي الى طرق أبواب الادب والتأليف غايته أن يصنع فارقا بينه وبين الجثث المتحركة التي منعها التشاؤم من العيش تحت شموع الأمل والوصول الى الهدف مهما كلف الثمن. 

 برز محمد سماعيل الشاعر الذي يرى في الشعر بلسما شافيا لروحه، والروائي الذي هوى الكتابة وكانت بمثابة الحلم الذي جعل منه حقيقة يتلمسها في أوراق مؤلفاته بفضل اصراره وابداعه ابن منطقة البيض في حوار شيق حول شخصيته...بداياته ولغز الجثة المتحركة، على موقع أخبار 360...

- عندما نقول محمد سماعيل نقول الشعر..الأعمال الروائية، إضافة الى التكوين الأكاديمي في تخصصي الإعلام والإتصال واللغة الفرنسية، قبل أن نبدأ دعنا نتعرف على هذه الشخصية التي دمجت عدة عوالم في قالب واحد .
أنا في الواقع لا أعتبر نفسي شاعرا رغم أني أكتب الشعر، الفصيح منه والملحون، ومنذ سنوات الثانوية، وهناك من بين أصدقائي من يتذوق ذلك، ويعتبره شعرا.
 لطالما اعتبرت الشعر أهم وسائل التداوي النفسي، إذ غالبا ما ألجأ إليه حينما أمُرُ بظروف صعبة، أكتب الشعر لا لشيء فقط لأرتاح قليلا. لكني غالباً انشغل بالسرد، إما بحثاً، وإما تفكيراً، وإما كتابةً.
أما بخصوص التكوين الأكاديمي فأنا أعتبره داعما لي في تجاربي السردية أكثر من أي شيء آخر، فاللغة الفرنسية تساعدني على اكتشاف نصوص أخرى، وتفتح لي افاق بحث جديدة، وعوالم أخرى بلغتها الأم، والاعلام والاتصال كونني بشكل لا يمكن انكاره في التواصل الايجابي مع الآخر، والتخلص من الأنانية والايمان بالآخر ككيانٍ بأفكار وسلوكيات وحياة مختلفة. 

 - شهادات في مجالات متنوعة على غرار إجازة في تقديم الأخبار لماذا لم تواصل المضي في الإعلام، مفضلا التأليف الأدبي ؟
درست اعلام واتصال ثم لغة فرنسية، وتكونت على يدي الاعلامية الجزائرية بقناة الجزيرة فيروز زياني، وذهلت بقدراتها التواصلية الكبيرة، وتواضعها المدهش حتى أنها عندما عرفت بأني أكتب الشعر الملحون كانت تطلب مني في كل مرةٍ قصيدة جديدة.
كنت مهتما أثناء تلك المغامرة بالتجربة الانسانية أكثر من الطموحات الإعلامية، واعتبرتها تجربة رائعة اكتسبت فيها معارف جديدة، وأصدقاء جدد وقضيت وقتا ممتعا.
فمن البداية كنت أريد أن أكتب، حتى في المجال الاعلامي كنت أحب المقاييس المتعلقة بالتحرير الصحفي أكثر من غيرها. كان حلمي أن أصبح شاعرا، ثم راودتني فكرة كتابة الرواية منذ سنٍ مبكرة، لدرجة أنني كنت أحاول استغلال تخصصاتي الأخرى في مجال الكتابة، ليس فقط في التعامل مع المحمول الثقافي للشخصيات، بل أيضا في الترويج للرواية.  

- متى بدأت تبدي إهتماما بمجال الكتابة؟
بدأت الاهتمام بالكتابة منذ بدايات الطور المتوسط، أما عن قصتي مع الرواية فانطلقت منذ سنوات الثانوية، إذ كتبتُ أول محاولةٍ روائية أسميتها:(أبواب المدينة مُوصدة). فكانت كحال المحاولات الأولى لأيِ كاتبٍ شاب، تحتاج مزيدا من النضج ومزيدا من الاشتغال.
ثم بدأت تتوالى المحاولات، وبدأتُ مع كل محاولةٍ أكتسبُ أسلوبا خاصا بي، ورؤيا للعمل السردي الروائي والرسالة التي أريد تمريرها، فأتت بعدها محاولات (ارحل ليكتمل الربيع) ثم (الطيب النية) وتلتها (ريح الصبا). 
أما بخصوص أول مخطوطٍ روائي قدمته للنشر كان (الأكفان لا تحتاج إلى تطريز)، أرسلته إلى دار ميم للنشر والتوزيع بدايات 2016، ووافقوا على نشره، لكني غادرت الأنترنيت ونسيت الأمر ولم أعرف أنهم وافقوا على نشره إلا بعد مرور سنتين. في تلك الفترة عدتُ إلى كتابته مرةً أخرى، وبشكل مغاير تماما مع الحفاظ على القصة الرئيسية ليحمل مسمى الجثة المتحركة. 
- أثناء إكتشافك كموهبة هل تلقيت الدعم من المحيطين بك أم العكس؟
في البداية تكتمت على ذلك، ولم يكن يعرف سوى بعض الأصدقاء القلائل، لهذا ربما لم أحظ سوى بدعم بعض الأصدقاء، وجلهم لا يشتغلون بالثقافة. ثم تطور الأمر وتعرفت على أصدقاء ساعدوني في التدقيق وابدوا آرائهم حول الجثة قبل نشرها. 
 لطالما كانت البدايات صعبة، خاصة عندما يسقط المؤلفون الشباب في متاهة الرفض هل عايشت هذا الإحباط والتنكر لموهبتك؟
انا لست شخصا متفائلا جدا، لذلك لم يكن الرفض المتواصل الذي تعرضت له ليثنيني عن الكتابة، اعتبرت من البداية الكتابة قدري حتى لو لم أنشر أي نصٍ كنت سأواصل ذلك.
 - باكورة أعمالك حملت عنوان ( الجثة المتحركة ) حدثنا عن موضوع الرواية.
الجثة المتحركة رواية بوليسية تبحث فيها ابنة البطل عن العذابات التي تعرض لها أبوها والدوافع التي جعلته يصاب بمرض متلازمة الجثة المتحركة، وهي تطرح كثيرا من المواضيع  أهمها الصراع بين السلطة وحركات معارضة، والاحتجاجات الطلابية المطالبة بالتغيير في الشق الاجتماعي، أما انسانيا فتناولت علاقات الحب المستحيلة بين رجال المخابرات وبين من يمكن أن يقعن في حبهن والمخاطرات التي يمكن أن يتعرضوا لها.  

 -من أين إنطلقت فكرتها؟
انطلقت فكرتها من بحثي في موضوع المتلازمة، إذ وجدت المرض يتناسب مع ما يحدث في الوطن ويصلح ليكون اسقاطا ماكرا.
- لو نوضح للقارئ، ما الرابط بين موضوع الرواية وعنوانها؟
استقيت العنوان من المرض الذي تعرض له أحد أبطال الرواية، عباس خطيبي، وهو متلازمة الجثة المتحركة، مرض نفسي معقدٌ جدا ونادر، يعتقد المصاب به بأنه أصبح جثةً متحركة، وأن أرواح شريرة تتسلل إلى جسده وتسرق أعضاء منه.
 - بعيدا عن التلميح والترميز ماذا يطلب محمد سماعيل من الجثث المتحركة؟
أقول لكل الجثث المتحركة هناك فرقٌ بين الاستقرار الذي نتغنا به، والجمود الذي نعيشه. يجب أن ننهض، نفكر، نعمل، وننتج، في كل المجالات كي لا نصبح مجرد جثث متحركة تنتظر تأبينها. 
- تطرقت مقدمة الرواية الى أنها تنبأت بلعض ما سيقع خلال الفترة الحالية، إلى ما يعود ذلك؟
يعود ذلك الى ما لاحظته الصديقة الشاعرة نسيبة عطاء الله التي دققت الرواية لغويا بداية الدخول الاجتماعي العام الفارط، حيث توصلت الى أن الرواية استشرفت لما حدث في الشهور اللاحقة خاصة أني تحدثت عن مشاكل داخل الجامعة تخرج الطلبة إلى الشارع وذلك ما حدث فعلا.
 -لو اسقطنا الضوء على عامل التشويق والاثارة الذي تحمله الرواية بالاضافة الى عنوانها الذي يحمل بعض الغموض وجانب من الرعب، هل تتوقع ان تتحول الرواية من القالب المكتوب الى المصور ربما ؟
سيكون ذلك خبرا سارا لي إذا ما حولت إلى عملٍ سينمائي. وأعتقد أن خياراتها المرتكزة على الأحداث المتشابكة والمفاجآت المتتالية بدل الشعرية والغور النفسي تؤهلها لذلك. 

- ماسبب عدم نشرك للرواية فور الإنتهاء من تأليفها؟
في الواقع أرسلتها لدار نشرِ جزائرية قبل الماهر ووافقت على نشرها لكن الأمر أخذ وقتا طويلا لذلك فحاولت عرضها على دور نشر أخرى منها من وافق لكن بعد توقيعي للماهر، ومنها من رفض لسببٍ أو لآخر، وعندما استقريت على الماهر اصيبت أختي بمرضٍ خبيثٍ جعلني أتوقف عن الكتابة وعن التفكير بالنشر، وكنت أفكر بسحب النص وحدثت الدار بذلك، لكنها رحلت نهائيا في يومِ جمعةٍ ماطر وتركتني لا أصدق ما حدث. بقيت لفترة مصدوما ثم عدت للرواية وأتممت اجراءات النشر مع الماهر.
- تفضلت أنك اخترت دار الماهر للطباعة والنشر والتوزيع  بين مجموعة من دور نشر اخرى، بداية حدثنا عن كيفية  تعرفك على الدار؟
تعرفت عليها من خلال الكاتب مصطفى بوغازي، مدير النشر بالدار، الذي كان صديقا على صفحتي الفيسبوكية، ارسلت النص إليه، فوافق على تمريره ثم استكملنا بقية الاجراءات. الأمر كان سلسا مر في جوٍ من التفاهم والاحترام المتبادل. 
 -حدثنا عن تجربتك معها أثناء طبع ( الجثة المتحركة).
الأمر كان طبيعيا جدا، تقدم الدار كثيرا من التسهيلات، وتمنح الكاتب كثيرا من الخيارات فيما يتعلق بالنشر وأيضا بغلاف الكتاب، ومن هنا أشكر المصممة أمينة بوزيان مصممة الدار التي اشتغلت لوقتٍ متأخر في كل مرة لتصميم الفكرة التي أردتها بشكلٍ أدهشني فعلا.
 -هل كانت عند حسن ظنك؟
بنسبةٍ كبيرةٍ نعم.
- في ظل التضييق على الرأي والكلمة برأيك هل باتت الكتابة مخاطرة؟
الكتابة مخاطرة في ظل ما نعيشه من تعصب، ومن نبذ للآخر، وتكفير لمن لا يؤمن بما نؤمن، حدث ذلك مع كمال داوود وتكرر مع أمين زاوي. أعتقد أننا نحتاج مزيدا مع التسامح مع الذات ومزيدا من الانفتاح على الآخر كي نتخلص من الأنانية الفكرية التي يتخبط فيها الكثيرون ونؤمن أن الاختلاف جزء أصيل في الحياة.
 وهل تنصح اصحاب الكلمات الجريئة بخوض هذه المخاطرة ام اجهاض أقلامهم؟
أنا شخصٌ لا يحب لعب دور الناصح. لكن الكاتب الجاد، المؤمن بفكرته لا يحتاج إلى نصيحة أحد، سيكتب ولو كلفه ذلك حياته.
 - نشرت محاولات في الشعر الشعبي هل يدخل ذلك ضمن مجهوداتك المبدولة في خدمة تراث منطقة البيض؟
أعتبر الشعر الشعبي المورفين الذي ألجأ إليه كلما تهاطلت علي الأوجاع. الشعر راحةٌ للنفس مثله مثل الموسيقى والمسرح.
 فأنا لا أكتب الشعر سوى لأضمد بعض الجراح. أشتغل في النصوص الروائية أكثر من الشعرعلى التعريف بالمكان والتراث والعادات والتاريخ لولايتي. ويتجلى ذلك في روايتي القادمة (الرفيقة سانغيام) والتي يدور جزء منها في قصر طيني عتيق من قصور الولاية.
-أخيرا ماذا تحمل أجندة ابداعات محمد سماعيل الشعرية والروائية.
في مجال الشعر لا أفكر بالنشر، ولا أعتبر ما أكتبه شعرا بالمعنى الحقيقي.أما في مجال التأليف الروائي فقد كتبت رواية قصيرة في الفترة بين انهائي الجثة المتحركة  وبداية التفكير بنشرها اسميتها الانفصامي، وهي حديث داخلي لمصاب الشيزوفرينيا، يحكي هلوساته، يتداخل فيه الوهم والحقيقة والغموض والرمز، وكتبت بعد ذلك رواية (الرفيقة سانغيام) وهي نص يحكي قصة حب تجمع جزائري بفيتنامية، التقيا في حرب لاندوشين ثم قررت أن تلتحق به في الجزائر. اشتغلت فيها على تعدد الأصوات وتعدد الأبطال وأثثت لها من الثقافات الأمازيغية والصحراوية والفيتنامية، والديانات الاسلامية والبوذية والهندوسة وحتى المسيحية في رسالة لحوار الحضارات والايمان بالاختلاف والعيش متصالحين مع الآخر المختلف، سأنشرها بعدما تأخذ الجثة فرصتها الكاملة في الظهور.  
                                                                                                      حـــــــــــــــاورته: كبير ايناس


متلازمة الجثة المتحركة مرض يتناسب مع ما يحدث في الوطن ويصلح ليكون اسقاطا ماكرا Reviewed by akhbar 360 on 9:25 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.