محمد حراث : " النصوص العادية تُقرأ، والنصوص المقدسة تُرتّل "

سكن الشغف بالحرف العربي جوانحه منذ الصغر ، ليكمل مسيرته العلمية في ذات التخصص و يحتضنه عالم الشعر مبرزا رقيا في الاسلوب و اللغة ، ابن مدينة الشلف أستاذ اللغة العربية و الشاعر محمد حراث في حوار حصري لموقع أخبار 360  
- مرحبا أستاذ محمد ، بداية فلنتعرف على محمد حراث . 
          أنا محمد بن محمد بن حراث من مواليد 1987 بمدينة الشلف بقرية صغيرة تدعى الشرفة ، تربيت في عائلة محافظة ذات       ثقافة اسلامية و أدبية ، زاولت تعليمي الابتدائي بمدرسة أحمد بن سونة ثم بإكمالية عتبة الجيلالي بنفس الحي. ثم تحصلت من ثانوية أحمد بوقرة على الباكلوريا في الآداب والعلوم الإنسانية سنة 2006 ، لأختار بحب ورغبة تخصص الأدب العربي ، تحصلت من جامعة الشلف على الليسانس في اللغة العربية سنة 2010 ، و شهادة الماجستير من جامعة تيزي وزو سنة 2013 ، و مسجل أيضا بها الدكتوراه في التخصص نفسه ، و الان أشتغل أستاذ بجامعة خميس مليانة .
وأتذكر أنني شغفت بالشعر وتمنيت أن أكتبه فمن الطرائف التي حصلت لي أنني أكنت أنظم بعض دروسي في الثانوية شعرا حتى يسهل علي حفظها
- شاعر و أستاذ للغة العربية ، هل نستطيع أن نقول أنه تحصيل لشغف جاورك بالحرف العربي منذ الصغر !
أنا ولدت في بيت أكثر شيء فيه الكتب ، فكانت لعبتي الكتاب قبل أن تكون هوايتي ثم كان شغلي الشاغل الكتاب اكتسبت منذ صغري ثقافة دينية ثم اتجهت إلى الأدب واللغة العربية حتى كنت إذا أمسكت ديوانا أو رواية أو كتاب أدب لا أضعه من يدي حتى أنهيه .
- حدثنا عن تجربتك في مسابقة شاعر الجزائر على قناة الشروق !
تجربتي بقناة الشروق لم تكن الأولى. إذ سبقتها عدة مشاركات في مسابقات وأمسيات شعرية وحصص إذاعية
كما شاركت لمرتين على التوالي في مسابقة والي ولاية الشلف للأدب والفكر ، وفزت في المرتين بالمركز الأول في القصيدة الفصيحة ، وحين أقيمت مسابقة شاعر الجزائر أردتُ لصوتي أن يأخذ بعدا أوسع فحالفني الحظ وكنت من المختارين للمشاركة في المسابقة والحمدد لله حققت هذا الحلم ، وتعرفت علي الساحة الثقافية بعد ظهوري على قناة الشروق .
- ماهي أهم المعايير التي اهتمت بها لجنة الحكم في تقييم المشاركين !
كانت لجنة التحكيم تطالبنا بالحداثة في الشعر. وكانت تنهال نقدا على النصوص الكلاسيكية أو التقليدية كما كانت تسميه. وكما نعرف فإن الشعر التقليدي أو الكلاسيكي هو ديوان العرب وهو الأساس لكن هذا لا يمنع الشاعر أن ينوع بين الجنسين: الكلاسيكي والحديث. وكنت أنا قد اخترت قصيدة عمودية على الطريقة الخليلية. لهذا لم أحز على رضى اللجنة. ولو أنهم اطلعوا على بقية قصائد كل شاعر ربما كان سيكون لهم رأي آخر في قصائدي
- مقارنة مع مسابقة أمير الشعراء التي احتضنتها امارة أبو ظبي و الصدى الذي شهدته في الرقعة العربية ، هل استطاعت الجزائر منافستها في البروز كبلد ثقافي يسهر على تشجيع الموروث العربي !
هذه المسابقة التي تعد حلما لكل شاعر، استطاعت أن تنال هذه الاحترافية بفضل اللجنة التي تم اختيارها بإحكام، أما أذا أردنا أن نقارن بين البرنامجين فينبغي أن لا نظلم صديقي الإعلامي سليمان بخليلي، هذا إذا عرفنا التمويلات والإمكانات التي كانت تُوفر لبرنامج أمير الشعراء، وعرفنا في المقابل أن سليمان بخليلي كان وحده وبإمكانات قليلة جدا وبنية حسنة حاول أن يخرج نصوصنا إلى النور ويظهر للعالم العربي أن في الجزائر شعراء يستحقون هذا اللقب. لهذا أظن أنه يجب أن لا نقارن بين البرنامجين.
- كأستاذ للغة العربية و مشارك في المسابقة ، ماهو تقييمك للرصيد الشعري بناءا على ما قدمه المشاركون !
لأنني تابعت تقريبا كل النصوص التي ألقيت، يجب أن أعترف أن بعض النصوص كانت في المستوى وخاصة النصوص التي وصلت للنهائي.
أما النصوص التي كانت في الدور الأول، ونصوص أخرى انتقلت من دور إلى دور كانت ضعيفة، وربما لا تستحق أن تُلقى على الجمهور.
لكن في العموم كان جهد الإعلامي بخليلي والشاعر محمد جربوعة واضحين. دون أن ننسى الشاعر والناقد لخضر فلوس الذي كان في المستوى ، فهذه المسابقة أظهرت للجمهور شعراء كبارا ينافسون غيرهم من شعراء العالم العربي لم ينصفهم الاعلام .
- بالرغم من صغر سنك الا أننا لاحظنا أنك تحذو حذو المحافظين في القصيدة العربية ، ألا يستهويك التجديد في الشعر !
أولا كل شاعر ينطلق من إيديلوجية معينة، أو لنقل: من خلفية معرفية نشأ عليها. فبحكم اطلاعي على تراث العرب الشعري، استهوتني القصيدة العربية العمودية الأصيلة، وبحكم اشتغالي الأدب الحديث أيضا ومعرفتي بكيفية دخول الحداثة الاجنبية إلى شعرنا العربي لم أمل كثيرا إلى الشعر الحديث، لكن هذا لم يكن مانعا لي أن أكتب في القصيدة الحديثة، فلدي قصائد عمودية على الميزان الخليلي، ولدييّ في الشعر الحر أو ما يسمى بشعر التفعيلة. وأيضا كتبت نصوصا كثيرا في قصيدة النثر. فالشاعر لا يجب أن يتخلّف عن الركب
- " تراتيل يراع " تجلت اللمسة الأدبية في العنوان ، لتلفت الانتباه ، ما المقصود بـ " بتراتيل يراع " !
كانت لدي مجموعة شعرية كبيرة تكونت منذ 2005 إلى يومنا هذا. وترددت كثيرا في نشرها. لكن حين اقتنعت بجدوى نشرها. اخترت مجموعة ذات مواضيع محدودة، ولنقل هي القصائد الأولى التي بدأت بها مسيرتي الشعرية. وتحمل كلها مواضيع وطنية ودينية. ولأني كنت أراها قصائد مقدسة لقداسة موضوعها، فأطلقت عليها مسمى: تراتيل. والترتيل مصطلح استعرته من الثقافة الإسلامية: ترتيل القرآن. وكأني قصدت: أن اليراع وهو القلم، حين كتب هذه الكلمات كأنه كان يرتلها وليس يقرؤها؛ لأن النصوص العادية تُقرأ، والنصوص المقدسة تُرتّل
- ماهي أهم المواضيع التي جاءت في الديوان !
أهم المواضيع: مدح النبي صلى الله عليه وسلم، الابتهلات والأدعية والزهد، حب الوطن والتغني بالجزائر وتاريخها وثورتها، وبعض المبادئ الإسلامية والمواضيع الأخلاقية، وبعض مواضيع القومية العربية كقضية فلسطين، والوطن العربي. ثم موضوع الصداقة والأصدقاء
- من شجعك على اخراج عملك الى النور !
لم أكن أرى نفسي شاعرا، وما زلت كذلك، أحب الشعر فقط، وما أكتبه هو هواية فقط. لكن أشكرا أصدقائي الذين يحبون ما أكتب، هم من شجعوني وطالبوني بقوة لأنشرها. لهذا نشرت مجموعتي الأولى، وبقيت مجموعات أخرى وهي مشاريع لدواوين أخرى أتركها لقابل الأيام إن شاء الله
- مواضيع قيمة بلغة راقية ، هل كنت تبحث عن ميزات معنية في دار النشر التي ستتبنى عملك !
في الحقيقة حين قررت النشر بقيت سنة ونصف أنتقل من دار إلى دار. لم أكن أريد دارا تجارية وما أكثرها. بل هناك دورا عرضت علي نشر العمل مجانا، لكن كنت أرى أن دار النشر ينبغي أن تكون احترافية في العمل أولا ، وأن تكون على مستوى العمل ثقافيا. فالكثير من دور النشر لا علاقة لها بالثقافة والعلم، وإنما هي طابعة وورق وحبر ليس إلا.
لكن بفضل بعض زملائي الأساتذة وجهوني إلى دار الماهر، فوجدتها دارا تحترم الناشر عندها، وبها أساتذة ومثقفون ثم هي دار موثوقة، لأني سألت من نشر بها من قبل، لهذا لم أخف على أعمالي من السرقة. والحمد لله وجدتهم عند حسن ظني
- تقييمك للخدمات التي توفرها دار الماهر للطباعة و النشر و التوزيع
من لم يشكر الناس لم يشكر الله: وجدت سهولة كبيرة في التعامل مع الدار، حتى أنني لم أضطر للانتقال من مدينة الشلف إلى سطيف، فعلى الرغم من انشغالاتي إلا أنني وجدت كل التسهيلات من يوم عرضتُ عملي على الأستاذ مصطفى بوغازي إلى غاية استلامي للنسخ. لذا فأقدم كل الشكر للدار عامة وللأستاذ مصطفى خاصة. دون أن أنسى أن الدار تتقن عملها، وقد خرج الكتاب في حلة جميلة من حيث الغلاف والطبع والإخراج الفني
- بين الشعر و الرواية ، برأيك من الأكثر تعبيرا !
قديما كان الشعر هو ديوان العرب ولسان حالهم وأداتهم الخطابية. ولكن مع دخول الآداب الأجنبية إلى أدبنا العربي وبعدما هبت رياح الحداثة على أدبنا، أصبحت الرواية أكثرا رواجا، ولكن بقي للشعر كرسيه ومقامه العالي. فلشعر قراؤه ولرواية قراؤها. فالرواية أكثر تحررا، والشعر قيد، فالشاعر يتعب في إقناع قارئه أكثر من الروائي. مع أنني أرى أن كلا النصين حاضر بقوة في الساحة الثقافية اليوم
- تفضلت أن للشعر قيد أيضا المتعارف عليه أن كتابة الشعر صعبة نوعا ما مقارنة بالرواية ، أستاذ أنت كشاعر ، كم المدة التي تقضيها لتنهي كتابة قصيدة !
يجب أن نفرق بين شيئين مهمين: صناعة الشعر وكتابته. فالشعراء نوعان: شاعر يكتب عن إلهام، وشاعر يتكلّف الشعر ويصنعه. فبصفتي أستاذا في اللغة والأدب، لأنني تعلمت قواعد الشعر وأدرسها فأستطيع أن أتكلف وأصنع قصيدة في أي وقت أشاء. لكن ستكون جوفاء لا أشعر بها. لهذا لا أتذكر يوما أنني اصطعنت بيتا أو تكلّفته. وإنما أترك الأمر إلهاما. فقد تمر بي الأيام وربما الشهور ولا أكتب شيئا. وقد أمر بموقف أو بحادثة فأجد نفسي دون رغبة مني أو إرادة أمد يدي للقلم وكأن أحدا يملي عليَّ فأكتب القصيدة أو بعض أبياتها في ساعة أو ساعتين. أما القيد الذي أعنيه إنما هو في التشكيل الفني والإيقاعي للقصيدة. فأنا قد أشتغل على تهذيب القصيدة يوما أو يومين وقد أظل أسبوعا كاملا تشغل القصيدة تفكيري حتى أنهيها
- لو قلت لك جلال الدين الرومي .
كانت لدي تجارب في كتابة الشعر الصوفي، أو لنقل: تصوفتُ في بعض قصائدي، وكنت متأثرا في ذلك بشعراء منهم: الحلاج وابن الفارض وجلال الدين الرومي. وفي زيارتي الأخيرة لتركيا تمنيت زيارة قبره لكن لم يسعفني الوقت للأسف. فقد قرأت له ولكن تأثري به كان قليلا إذا قورن بالحلاج وابن الفارض
- لا يمنعك أن تعمل بنصيحة ناصح لا يعمل بما نصحك به ، فذلك شأنه و هذا شأنك فتركك لها لا يضرك و تركك لا ينفعك ، أين محمد حراث من هذه المقولة !
هذه قاعدة أؤمن بها، وكثيرا ما أقولها لطلبتي. فالحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أولى بها. وكل نفس بما كسبت رهينة
- كيف هو تعاملك مع من يقدمون لك النصائح حول قصائدك !
ما كتبتُ قصيدة إلى عرضتها على من أسميهم قرائي الخاصين: أهلي وبعض أصدقائي وزملائي، لأن من لا مرآة له لا جمال له. فأسمع منهم النقد ولا أقبل النقد الإيجابي إلا بعد أن أسمع منهم العثرات الموجودة في القصيدة. وأظن أن عدم رضاي على القصيدة هو ما يدفعني لكتابة قصيدة جميلة. والتي تقسم ظهر كل شاعر هو ان يرضى عن قصيدة كتبتها، فإن رضي كانت الاخيرة
- هل سنرى محمد حراث في عمل روائي ؟
لدي قصة طويلة أو رواية قصيرة، لا أدري كيف أسميها، ربما أطبعها إذا أنهيت طبع أشعاري، لكن أنْ أدخل مجال الرواية فلا أظن ذلك، لأنني لا أملك النفس الطويل، ثم هي رغبة نفسي التي وجدتُها في الشعر أكثر راحة منها في الرواية
- أخيرا ، أستاذ ماهي طموحاتك !
هي طموحات كثيرة، حققتُ بعضها والحمد لله، وبعضها الآخر أنا في طريقها، أكبر طموح لدي أن أقدم خدمة كبيرة جليلة للغتي العربية. أن أرقى بها في مجال بحثي أولا، ومجال هوايتي الشعرية. ثم أنْ أكتب رواية أو أكون روائيا هذا من طموحاتي أيضا. أتمنى أن أحقق هذا الطموح، بعد أن حققت طموحي الشعري.
- شكرا جزيلا أستاذ على وقتك الثمين ، تشرفت بالحديث مع حضرتك ، تمنياتي لك بمزيد من التألق و النجاح
الشكر متبادل، وتشرفي بك أكثر. أتمنى لك التوفيق
حـــــــــــــــــــــــــــــــاورته : كـــــــــــــــــــبير اينـــــــــاس
محمد حراث : " النصوص العادية تُقرأ، والنصوص المقدسة تُرتّل " Reviewed by akhbar 360 on 2:54 م Rating: 5

هناك تعليق واحد:

  1. السّلام عليكم
    وفّق الله شاعرنا محمّد حراث لما فيه خير الجزائر والمسلمين واللّغة العربية.

    ردحذف

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.