رفيق طيبي عن رواية 257: قلت للمقربين أن هذا النص بحاجة لأن يكون بمستوى الأرواح التي استشهدت

في ذلك اليوم شاء القدر أن تحضن الأمهات صناديق لفتها ألوان الوطن بدل فلذات أكبادهن، ويحمل الأباء اضافة الى أسمائهم لقب والد الشهيد، تشارك الألم كل الشعب الجزائري وكان الحزن ذلك الضيف الذي دخل البيوت دون سابق تحضير له.
257 أسدا من أسود الجزائر ارتقوا في حادث تحطم طائرة عسكرية في بوفاريك، 257 روحا خلدها الكاتب محمد رفيق طيبي في رواية حاكت الواقعة، ترجمت الحزن الذي عجز اللسان عن التعبير عنه، ليعيش القارئ من خلالها لحظات هلع ودقائق معدودة في حياة ركاب الطائرة. 
مؤلف الرواية التي صنعت الحدث الاعلامي محمد رفيق طيبي في حوار ممتع لموقع اخبار 360 يعرض اهم محطات مشواره الأدبي و متحدثا عن رواية "257"....
-مرحبا بك رفيق، شكرا على قبول تواجدك معنا نفتتح حوارنا بتوضيح فكرة ألا وهي بمجرد تقاسم صفة الكاتب والأنا لجسد الفرد يصبح روحانيا أكثر منه إنسانيا ما يجعله دائم البحث عن تلك الأنا بداخله، السبب الذي جعلني اعذل عن سؤال "من يكون رفيق طيبي؟"وكأن هذا السؤال أصبح بمثابة ورطة بالنسبة للكاتب
ورطة وضعني فيها سياق أوجدتني داخله الكتابة، لم أفكر يوما في أن لي من الأهمية مايجعلني قابلا للتعريف، كررت هذا الكلام في حوارات سابقة. حين أقدم نفسي بفعل أمارسه فأنا لا أمنحك أي اجابة واضحة، فعملك يفترض وضع عناوين للحوار تقدم نوع الشخص المستضاف، واذا دخلت في تفاصيل حول ماهيتي الإبداعية فأنا أغامر بالحديث عن نفسي عوض انتظار حديث الآخرين عني، واذا فكرت بعمق في تعريفي فأجدني أقل أهمية بكثير مما يظن الآخر القارئ الذي يتوسم في التقديمات الخير، للقول أن فهرس المبدعين ثري، حقيقة لا اعتبار لي أمام عظمة الكون والإبداع، ذرة أول أقل، يبهجني القول أنني إنسان يجتهد للتعبير عن هواجس ومعضلات إنسانية - متى كانت الصرخة الأولى، في أي مرحلة أعلن رفيق طيبي عن أوان خروج الكاتب بداخله، وماذا كان أول ما خطته أناملك؟
قولك الصرخة الأولى، يفترض صرخات لاحقة قد تتوقف، لكن الكاتب يصرخ بشكل مستمر بوجه الخضوع، القلق، الألم، الاستعباد وغيرها من المتاعب. كتبت خواطر طفولية وانا تلميذ في المتوسط، ثم بدايات شعرية في الثانوي، ثم كتاب عاصفة العاطفة الذي جمع الطفولة والمراهقة بسذاجة، البدايات معقدة دوما وصعبة. حيث تتشابه الطرق، وفي بلد تغيب عنه المؤسسات النقدية ولا يشكل فيه كبار الكتاب مدارس تنقل المعرفة الى الشباب تكون المهمة الابداعية أكثر تعقيدا بالنسبة للشباب
- من بين التعقيدات التي واجهتك كانت خلال فترة ما من طفولتك حيث أجبرت على الصمت في بعض المواقف، وكانت الكتابة بمثابة الصديق الذي تبثه ما لا تستطيع البوح به، بمعنى أدق منحتك أجنحة حرية التعبير، أخبرنا عن ما جال في خاطرك خلال تلك الفترة؟ولماذا أجبرت على الصمت آنذاك؟
هناك نمط عام من الحياة، تفرضه المؤسسات العائلية، الدينية، المدرسية وغيرها، كثير من أعرافه فاسدة وغير منطقية لكنها محمية بالتقديس، في طفولتي اصطدمت بالكثير من الأشياء الغريبة، كنت أعلق عليها بجرأة رافضا الخضوع لما يخضع إليه الآخرون وهذا الفعل يجلب التعنيف، الإسكات. الطفل أو المراهق في عالمنا كائن أخرص، يعبر فقط عن التافه من هواجسه، أما الأسئلة الكبيرة التي تشكل ذاته فلا تجيبه عنها المقررات المدرسية ولا الأسرة، إلى سن متأخرة تبقى العلاقة الانسانية، العاطفية والجنسية كمثال غامضة، تبقى علاقة الطفل بإمام المسجد متجاوزة لحدودها الطبيعية بسبب هالة التقديس وحين يصدم بأنه بشري يرتكب من الأخطاء مايكفي لجعله ينهار في مخيلة المراهق يصطدم. العقل في مرحلة مهمة من حياة الإنسان يحتاج لمعارف حقيقية، خارج التضليل بدعوى التربية والأخلاق والحياء
-هل مازال ذلك الطفل الشغوف بطرح ما يعجز عنه غيره الان في شخصية رفيق الكاتب؟
الطفل مستمر بطرح الأسئلة ويعتبر انتهاء الشغف يعادل الإحالة على التقاعد الأدبي، اذا كنت أطرح أسئلة عادية يطرحها العامة فأنا مطالب بالالتحاق بمعهد الصحافة لأكون صحافيا لا كاتبا، صحيح أننا نعيش في سياق وفضاء لا يسمح بطرح كل الأسئلة التي تساورنا حين نختلي بذواتنا الشكاكة، لكن اجتهد لقول ما أريد عبر الأدب ودون صدام، فالصدام عمل استعراضي يقوم به من يحتاج للظهور، أنا في غنى عن ذلك، حاولت دوما اكتساب منطق علمي هادئ في كل الطروحات والأفكار - روائي وشاعر بالإضافة الى مساهمات صحفية على الصعيد الثقافي، أي العوالم أقرب إليك؟
الرواية والشعر أجهزة التنفس الاصطناعي لذات يخنقها الواقع والتاريخ وتواجدنا في هذه اللحظة الساخرة جدا من التاريخ البشري. الصحافة جزء من النضال، أكتب مساهمات لأضيء الآخرين وأثمن جهودا من وجهة نظري تستحق التثمين، لست صحافيا موظفا، لكنني أقوم بدور صغير حين يسعفني الوقت والمزاج - آخر أعمالك صنع الحدث بمجرد معرفة أن فكرة الرواية تحاكي حادثة فقدان الجزائر ل257 من أبنائها في تحطم طائرة بوفاريك، هل كنت تتوقع ان يلقى العمل هذا الصدى الإعلامي؟
الصدى الإعلامي الذي حظي به العمل، أشعرني بمسؤولية كبيرة، فالقارئ والإعلام وكل المهتمين بالثقافة هللوا ورحبوا بالرواية قبل الاطلاع عليها، أنا مطالب باقناعهم وقد توقعت ذلك وقلت للمقربين أن هذا النص بحاجة لأن يكون بمستوى الأرواح التي استشهدت فالعتاب سيكون قاسيا اذا اكتشف القارئ أنني كتبت نصا أقل من تطلعاته وأقل من حزن الجزائر على أبنائها - تشاركت أحداث الرواية شخصيات حقيقية واخرى خيالية، صف لنا شعورك وانت تتحدث مع المقربين من ضحايا الطائرة؟ وكيف كانت ردة فعلهم عندما عرفوا أن العمل سيخلد أرواح شهداء الجزائر؟
من أجل الحقيقة، لم أخبر أحدا أنني أحضر لعمل يتعلق بتخليد أرواح الشهداء، أقصد من أهالي الضحايا، كنت قريبا من الحدث، تحدثت اليهم، لم يكن أحد يعبر عن مشاعره، الفقد يأتي بالصمت والسكينة، وبدوري التزمت حدود التأمل والمتابعة. حضرت جنازة شهيد عرفته لسنوات طويلة، كانت كبيرة، عبرت عن تضامن الجزائريين المطلق حين يتعلق الأمر بالمآسي. الحزن العميق يسكننا ويستمر فينا، عادة أطرح الأسئلة، ماذا لو حدث شيء ما غير المسار، ماذا لو، كيف، كلها استفهامات أوصلتني الى رواية 257. - ماذا اضافت اللمسة الواقعية في كتابتك للعمل ولأي مدى ترى ان الأعمال الروائية يجب ان تحوي على الواقع؟
الواقع في النص يكمن في توظيف الحادثة، وبعض المعطيات الصغيرة، أما اللحظة التي كتبتها وهي بين إعلان قائد الطائرة أنها ستسقط وارتطامها بالأرض والتي لا تصل 5 دقائق تحتاج لتخييل مفرط، صحيح ماسميته لمسة واقعية هو عامل نجاح لنصوص كثيرة، ويعود ذلك إلى وضعنا المعقد، فنحن كجزائريين نعيش أزمات عميقة لا يمكن أن ينجح في مشهدنا إلاّ الأدب الواقعي، فهو ملائم للاحباطات والانتكاسات الكبيرة، يجيب عن كثير من الأسئلة التي تتفرع منها. - حدثنا عن تجربة تقمص دور سبع شخصيات، كيف استطعت نقل كل تلك المشاعر في مدة وصفتها انها لا تصل الى 5 دقائق؟
الشخصيات تقمصتها بالموازاة، كل شخصية عاشت تلك اللحظات على انفراد على مستوى الصوت، وجماعيا على مستوى الحدث، ونقلت تلك الأجواء على شكل محاكاة، العملية معقدة واحتاجت لتوظيف تقنيات كثيرة، لا يمكنني تقديم تفاصيل كثيرة حول نص صار بمتناول الجمهور.
-هل سنقرأ تلك التساؤلات وعلامات الإستفهام التي إجتاحت الضحايا قبل الحادث من خلال عملك؟
قد تكون محور العمل، تلك الهواجس، التذكر، الهلع، وكل مايمكن أن يفكر فيه الإنسان حين يعلم أن المتبقي له من الحياة هو دقائق وأنه معرض للانصهار، والنص يمرر مواضيع أخرى وأسئلة نترك للقارئ فرصة اكتشافها.

- يحوي رصيدك الأدبي ثلاثة أعمال نذكر منها الموت في زمن هش، نصوص شعرية معنونة بأعراس الغبار، آخرها رواية 257 كيف تعيش مراحل تكون مولودك الأدبي؟
بالنسبة للرواية، أمر بمرحلة التفكير فيها، حيث أكتفي بعيش أحداثها داخليا ووضع تصور عام، يتعزز بالكثير من التفاصيل والأحداث حين أنطلق في التحرير، الشعر حالة أخرى لها خصوصيتها المزاجية، هي حالة روحية قد لا أفلح في الوصول إليها حين أريد، لكن الرواية عمل هندسي، مخبر وأدوات بحث وتفكير. - أحيانا يعتمد القارئ على أعمال الكاتب لتكوين صورة عن شخصيته، حسب وجهة نظرك هل دائما ما يكون القارئ على صواب في ذلك؟
شخصية الكاتب التي تستخرج من الأعمال الأدبية قد تكون مضللة، فداخل النص لا يوجد الكاتب بقدر ماتوجد شخوص كثيرة ومتنوعة ينجح الكاتب المحترف في التماهي معها، مما يظهر للقارئ أن القصة خاصة به أو أن تلك السلوكات منصوح بها من الكاتب، وبسبب هذا حدثت كثير من التجاوزات والتعسف في حق الكتاب فمثلا يكتب الروائي عن شخص مجنون يشتم المقدسات الدينية وهذا موجود في الواقع فينسب له شتم تلك المقدسات وهي مغالطة يقع فيها كثير من القراء غير المحترفين
- تنفي أن العمل الأدبي هو مراة تعكس شخصية الكاتب وطريقة تفكيره
قد يتمكن القارئ أو النقاد من خلال تتبع مسار كاتب محدد من معرفة خلفيته الايديولوجية والثقافية التي ينطلق منها ويفيد في ذلك قراءة حواراته ومساهماته في الصحف اذا وجدت، وقد يظهر كاتب ميولاته الفكرية وانحيازاته لجهة أو تكتل من خلال نصوصه، لكن هناك من يكتب بحياد ذاتي، ويترك لشخوصه مجالا حيويا وثقافيا بعيدا عن ذاته وأعطابها وهواجسها. يفعل هذا الكاتب العارف بالكتابة. - أصبحت صفحات المؤلفين على مواقع التواصل الإجتماعي وبالأخص الفايسبوك معرضا لمختلف الأفكار والنصوص الأدبية، بالمقابل يمتنع الكاتب عن النشر الإلكتروني لأعماله برأيك ما سبب ذلك؟
صحيح، الدول المتقدمة تباع فيها الكتب الكترونيا، لا شيء بالمجان تقريبا، لكننا لا نملك آليات النشر الالكتروني والتسديد، فلا يعقل أن يوزع كتاب بصيغة pdf مجانا، فجهد المؤلف يجب أن يثمن ماديا ومعنويا. كما أن القارئ عالميا متمسك بالورق، نظرا لحميميته الخاصة -كيف تقيم تعامل دار الماهر للطباعة والنشر والتوزيع مع المؤلفين وأعمالهم! وهل إستطاعت الدار الرقي بمجال النشر في الجزائر؟
دار الماهر ولدت كبيرة، وقدمت صورة استثنائية عن الناشر المحترف، فور تواصلي معهم من أجل رواية 257 رحبوا بالفكرة، تم تمريرها على لجنة القراءة التي صادقت بسرعة على طبعها وعلى حساب الدار كون الموضوع وطني بتعلق بمأساة مست كل الجزائريين، وأيضا وصف مدير الدار السيد ميلود كراشني العمل بالمحترف، ثم فوجئت بالدار ترشح الرواية لجائزة آسيا جبار، وهذا مهم ويعبر عن الاحترافية وحاليا تستعد الهيئة الاستشارية للترويج للعمل وعرضه بشكل مقنع لزوار الصالون الدولي للكتاب، تجربة مهمة مع دار الماهر جعلتني أراجع فكرة الدور العريقة، جربت ناشرا يعمل في المجال منذ عقود ويوصف بأنه من أعرق الناشرين في الجزائر فخذلني بتخلفه عن المواعيد وعدم احترامه للكتاب، دور النشر موضوع جوهري في المشهد الثقافي، ولابد من إحاطته باهتمام قانوني ومعرفي لوقف حد للعبث ولابد من تشجيع الدور الفتية التي تملك رؤية في الميدان - هل سيحضى القراء بتوقيع رفيق طيبي خلال معرض سيلا الدولي للكتاب؟
علمت من خلال إدارة دار الماهر أنني مبرمج لجلسة بيع بالتوقيع يوم أول نوفمبر بعد الظهيرة، تسرني رؤيتك ورؤية كل القراء والمهتمين - اعمال ادبية متنوعة تفتح شهية القارئ ماهي العناوين المشاركة التي حازت على اهتمامك؟
ليست لدي عناوين مضبوطة، هناك عدد من دور النشر المهمة أزور أجنحتها فتنبهني العناوين لضرورة الحصول عليها، دار الساقي، الآداب، المدى، الماهر، القصبة، البرزخ وغيرها. - نختم حوارنا رفيق بكلمة لك
أشكرك وأشكر موقع 360 على هذه الفرصة الطيبة للقاء القراء من خلال موقعكم، وبمناسبة الصالون الدولي للكتاب الذي أعتبره عيدا طويل الأمد نسبيا مقارنة بالأعياد الأخرى التي نعرفها، أقدم التهاني لكل المهتمين بهذه المناسبة على أمل أن يكون قبلة للجميع وفرصة رائعة لتعزيز مكانة الكتاب
حاورته: ايناس كبير
رفيق طيبي عن رواية 257: قلت للمقربين أن هذا النص بحاجة لأن يكون بمستوى الأرواح التي استشهدت Reviewed by akhbar 360 on 5:55 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات:

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.